محمية الغراميل.. أعمدة صخرية تروي سيرة العلا وجمالها الأزلي

آخر الأخبار

محمد توفيق
2025-07-23 | 10:01 ص
تابعنا على تويتر للحصول على أخر الاخبار
تبرز محمية الغراميل، الواقعة في أقصى الشمال الغربي لمحافظة العُلا، كأحد أبرز المعالم الجيولوجية الفريدة في المملكة العربية السعودية، حيث تتجلى فيها روعة الطبيعة وسحر التاريخ الجيولوجي العريق، عبر تكوينات صخرية عمودية نُحتت بتأنٍ وهدوء على امتداد آلاف السنين، بفعل مجموعة من العوامل البيئية المتعاقبة كرياح الصحراء الجافة، والفروقات الحرارية الكبيرة بين الليل والنهار، وتدفّقات الأمطار الموسمية التي نحتت الصخور وشكّلتها بتناسق فريد، لتصبح الغراميل اليوم بمثابة متحف طبيعي مفتوح يروي سيرة الأرض وتحولاتها العميقة.
وتثير الصخور التي تميّز هذه المحمية دهشة كل من يشاهدها، إذ تتناسق في تشكيلاتها الهندسية وتتوزع في تناغم بصري نادر، يتفاعل مع انعكاسات ضوء الشمس وزوايا الإضاءة خلال ساعات النهار، مما يمنح الزائر مشهدًا متغيّرًا باستمرار، يتنقل فيه بين تنوّعات الظلال والألوان والملمس الصخري، وكأن الطبيعة أبدعت فيه لوحة فنية حية تتجدّد لحظة بلحظة، هذا التنوّع البصري لا يكتفي بإبهار الناظر، بل يفتح أمامه بوابة لفهم تفاصيل دقيقة من التاريخ الجيولوجي، ويوفّر فرصة نادرة لاكتشاف أسرار الأرض في صمتها الممتد على مرّ الأزمنة.
وتُعد الغراميل شاهدًا صامتًا على تحولات المناخ وتقلبات البيئة على مدى العصور، حيث تظهر في بنيتها الصخرية طبقات واضحة ودقيقة تعكس المراحل المختلفة من تكوّنها، وتكشف عن الحقب الزمنية التي مرّت بها المنطقة.
كما تتمازج الصخور العمودية مع الرمال الذهبية المحيطة، لتنتج مشهدًا بصريًا شديد الثراء والتميز، تتغيّر ملامحه كلما تغيّر ضوء النهار أو هبّت نسائم المساء، في حين تحتفظ الصخور برونقها وثباتها كأنها تروي حكاية خالدة من التاريخ الطبيعي.
ولا تقتصر قيمة محمية الغراميل على ما تحمله من جمال طبيعي خالص، بل تتجاوز ذلك إلى كونها مصدرًا معرفيًا بيئيًا ثمينًا يستقطب اهتمام الباحثين والمصورين وعشاق الجيولوجيا، فهي توفّر بيانات علمية دقيقة حول تكوينات الصخور الرسوبية، وتُمثل مرجعًا مهمًا لفهم ديناميكيات الأرض القديمة، والتغيرات المناخية التي شهدتها المنطقة.
كما تحتل الغراميل موقعًا خاصًا في الخارطة الجغرافية لمحافظة العُلا، بما تحمله من رمزية طبيعية وجمالية تعكس ثراء التنوع الأرضي في المملكة، وتُسهم في دعم رؤية المملكة نحو إبراز الكنوز الطبيعية والتراثية كجزء من الهوية الوطنية والترويج السياحي المستدام.
في النهاية، تظل الغراميل أكثر من مجرد أعمدة صخرية متفرّدة، إنها مرآة الزمن، وذاكرة الأرض، ومنارة جيولوجية تدعو الزائر لاكتشافها والتأمل في أسرارها، في تجربة حسيّة وعلمية لا تُنسى.