“مملكة الأراضي المنخفضة”.. نصف أراضي هولندا يقع تحت مستوى البحر

آخر الأخبار

محمد توفيق
2025-07-27 | 2:00 م
تابعنا على تويتر للحصول على أخر الاخبار
يعكس الاسم الرسمي لدولة هولندا وهو “مملكة الأراضي المنخفضة” الواقع الجغرافي الفريد الذي يميز هذا البلد الأوروبي عن غيره من دول القارة ، حيث تقع نسبة تقارب 50٪ من الأراضي الهولندية تحت مستوى سطح البحر ، بينما تغطي المسطحات المائية ما يزيد عن 40٪ من مساحة البلاد ، وتشمل هذه المسطحات البحيرات الطبيعية والأنهار الواسعة وقنوات المياه الاصطناعية بالإضافة إلى جزء من بحر الشمال الذي يحد البلاد من جهة الغرب والشمال.
قاد الشعب الهولندي على مدى قرون متتالية واحدة من أبرز التجارب الهندسية في التاريخ لمواجهة التحديات الطبيعية المرتبطة بارتفاع منسوب المياه ، ولم يكن الاعتماد على الحماية التقليدية من الفيضانات كافيًا ، بل تم إطلاق مشروعات ضخمة تمثل نماذج رائدة في مجال إدارة المياه .
ويعد مشروع “دلتا ووركس” أحد أهم هذه المشروعات وهو منظومة معقدة من السدود والمصارف والبوابات المائية التي تعمل على تنظيم حركة المد والجزر وتأمين المدن الساحلية من خطر الغرق.
تمكنت هولندا بفضل هذه الجهود من استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت في الأصل جزءًا من البحر ، وتعرف هذه الأراضي باسم “البولدير” حيث تُدار باستخدام أنظمة صرف دقيقة تسمح بالحفاظ على منسوب المياه عند مستويات آمنة ، كما تُستخدم السدود الدوارة والبوابات العملاقة التي تفتح وتغلق بناء على قوة المد البحري ، مما منح هولندا قدرة غير مسبوقة على التعايش مع بيئة مائية معقدة.
أدى هذا التكيف الدقيق مع المياه إلى تحول طبيعة حياة السكان بشكل كامل ، ففي القطاع الزراعي باتت هولندا اليوم ثاني أكبر مصدر للمنتجات الزراعية على مستوى العالم رغم أن مساحتها صغيرة نسبيًا ، وذلك بفضل التربة الخصبة المستصلحة والممارسات الزراعية الحديثة التي تعتمد على الاستفادة القصوى من الموارد ، كما لعبت الموانئ الكبرى مثل ميناء روتردام دورًا اقتصاديًا بارزًا بوصفها نقطة عبور رئيسية للبضائع في أوروبا والعالم.
انعكست هذه العلاقة مع الماء أيضًا على النمط المعماري والثقافي داخل المدن ، حيث تنتشر القنوات المائية بين الأحياء والمنازل وتُصمم الشوارع والمباني بأساليب تضمن الحماية من الفيضانات وتمنح المدينة هوية فريدة تجمع بين الجمال والحذر ، وأصبحت التجربة الهولندية تدرّس في الجامعات والمعاهد الهندسية العالمية كنموذج في إدارة المياه والتخطيط الحضري المستدام.
ورغم استمرار التحديات البيئية المتمثلة في التغير المناخي وارتفاع مستويات البحار ، إلا أن هولندا تواصل تطوير منظومتها المائية والاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الصناعي لضمان الاستقرار طويل المدى ، ما جعلها واحدة من أكثر الدول تقدمًا في مجالات التنمية المستدامة والبنية التحتية الوقائية.